إبراهيم عليه السلام و ذريته

كان إبراهيم عليه السلام أول الأنبياء الذين عاشوا في فلسطين و ماتوا فيها، وأبو الأنبياء ومن نسله الأنبياء إسحاق ويعقوب و يوسف و إسماعيل و محمد عليهم السلام.

ولد إبراهيم في (أور) في العراق وفيها عاش حيث قام بتحطيم الأصنام ودعا للتوحيد وألقي في النار عقابا له على تحطيم الأصنام وجعلها الله عليه بردا وسلاما ،وهاجر ومعه ابن أخيه لوط في سبيل الله  إلى أرض كنعان (فلسطين)، قال تعالى :"ونجيناه و لوطا إلى الأرض التي باركنا فيها" ونزل في شكيم ومنها انتقل إلى رام الله و القدس ومر بالخليل ثم بئر السبع ثم ارتحل لمصر، وعاد من مصر ومعه هاجر التي أهداها الزعيم المصري له، ثم عاد لفلسطين ومر بجوار غزة ،حيث التقى أبي مالك أميرها ثم تجول بين بئر السبع و الخليل ثم صعد للقدس، و مكث إبراهيم عليه السلام بجبال القدس والخليل.

وتردد إبراهيم عليه السلام على الحجاز أكثر من مرة ،فقد أسكن إبراهيم وأمه هاجر لمكة وحدثت قصة سعي هاجر بين الصفا و المروة و تفجر زمزم ثم عودته وبناء الكعبة مع إسماعيل، ثم عاد لمهاجره في بيت المقدس و بنى المسجد الأقصى بعد المسجد الحرام بأربعين سنة، وظلت فلسطين مركز استقرار إبراهيم وفيها توفي ودفن في مغارة المكفيلة قرب الخليل المدينة التي سميت باسمه وعمّر 175سنة .

 

لوط

 أما لوط  عليه السلام فقد استقر جنوب البحر الميت وأرسل لقرية سدوم وكانوا يفعلون الفاحشة "اللواط"، وقد نهاهم لوط عن هذا فأعرضوا وانتقم الله منهم فجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل، وهكذا نصر الله لوط وطهر أرضه المباركة.

وجاءت البشرى لإبراهيم بإسحاق من زوجته سارة بعد إسماعيل ببضع عشرة سنة ليحمل راية التوحيد وينشر النور الإلهي في الأرض المباركة.

وعاش إسحاق في فلسطين ورزقه الله يعقوب عليه السلام"إسرائيل" الذي يعتبره اليهود أباهم والذي نسبوا إليه، وفي عهد اسحاق أعيد بناء المعبد بعد أن هرم بناء إبراهيم على مكان الصخرة نفسها. وفي فلسطين ولد لإسحاق عليه السلام يعقوب في القرن 18ق.م، وهاجر يعقوب إلى حرّان (الرها) وتزوج وولد له أحد عشر ابنا منهم يوسف عليه السلام بينما ولد ابنه الثاني عشر بنيامين بفلسطين،وحدثت قصة يوسف عليه السلام المذكورة في القرآن الكريم، والتي خرج بنو إسرائيل في نهايتها من بيت المقدس لمصر  بعد أن استدعاهم يوسف بن يعقوب، وعاش يعقوب في مصر 17 سنة لكنه دفن في الخليل.

 

يوسف

وكان يوسف واخوته ينعمون بحرية العمل والعبادة في مصر، إلى أن وقعوا تحت الاضطهاد الفرعوني حتى أرسل الله موسى عليه السلام لإخراج بني إسرائيل للأرض المقدسة.

وكان خروجهم من مصر في عهد أعظم أنبيائهم موسى يمثل تحقيق لحلم كبير في العودة إلى الأرض المقدسة التي أخرجوا منها.

 

 

موسى و يوشع

ويقود موسى بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة ويقول لهم "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين "، ولكنهم يختارون الارتداد على أدبارهم ،ولجبنهم عن قتال الذين استوطنوا الأرض المقدسة بعدهم قالوا "يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك وقاتلا إنا هاهنا قاعدون"، ويتألم موسى ويلجأ لربه ويستجيب الله لنبيه "قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض "، وتوفي موسى وهارون عليهما السلام قبل دخول الأرض المقدسة وهما يتشوقان لدخولها، وفي الحديث قال موسى عندما حان أجله " رب أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر "، ويقول صلى الله عليه وسلم " والله لو أني عنده لأريتكم مكان قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر ".

وورث يوشع بن نون "يشوع" النبوة بعد موسى، وقاد بني إسرائيل وعبر نهر الأردن واحتل أريحا ،وحاصر القدس والتقى أعداءه في معركة طالت حتى كادت الشمس تغيب فدعا الله ألا تغيب الشمس حتى تنتهي المعركة وينتصر و استجاب الله لدعائه ،قال صلى الله عليه وسلم:"أن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس"، ودخل بجيشه منتصراً ونصب قبة موسى موضع الصخرة فكانوا يصلون إليها ولما بادت صلوا محلها ،فأصبحت الصخرة قبلة الأنبياء إلى زمن الرسول محمد.

 

وعندما شعر بنو إسرائيل بضعفهم طلبوا من نبي لهم (صموئيل)أن يبعث عليهم ملكا يقاتلون تحت رايته، وتولى القائد المؤمن (طالوت ) الملك عليهم  ولم تثبت في النهاية أمام جيش جالوت إلا طائفة قليلة مؤمنة أعطاها الله النصر وقتل داود جالوت بالمقلاع، وبعد موت طالوت تولى داود الملك،  و لذي يعتبر المؤسس الحقيقي لمملكة إسرائيل بفلسطين.

 

 

داوود و سليمان

وقد ولد داود في بيت لحم واستمر حكمه 40 عاما وكانت عاصمته الخليل، وبعد فتح القدس نقل عاصمته إليها.

جهز داود مساحة فسيحة في المدينة المقدسة ليشيد عليها المعبد المقدس (المسجد الأقصى) وعهد لسليمان ببنائه عند إحساسه بدنو أجله.

وورث سليمان(الذي وُلد في القدس) أباه داود واستمر حكمه أربعين سنة ،وكان ملكه بحد ذاته معجزة ربانية من الله، و نعمت فلسطين بهذا الحكم الإيماني المعجزة الذي تدعمه قوى الجن والإنس والطير والريح.

وبنى سليمان المعبد على هيئة ضخمة تليق بمكانة نبي ملك أوتي ما لم يؤت أحد من العالمين، ولفخامة بناء المسجد الأقصى – وعُرف عند بني إسرائيل بالهيكل- نُسب المعبد له ،وليس هو بانيه الأول ولكن هو الذي أحكم بناءه ،قال ابن تيميه:(المسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم لكن سليمان بناه بناءً عظيماً ).

 

إسرائيل و يهوذا

و بعد وفاة سليمان انقسمت مملكته لدولتين منفصلتين عانتا من الفساد والضعف وهما مملكة الجنوب (يهوذا)و عاصمتها أورشليم (القدس) تحت حكم رحبعام بن سليمان ،ومملكة الشمال (إسرائيل) وعاصمتها شكيم (نابلس)تحت حكم يربعام بن سليمان ومنها أغلب أسباط بني إسرائيل و هي أوسع رقعة .

وفي سنة 721 ق.م محيت مملكة إسرائيل من الوجود واعتقل آخر ملك فيها وشرد شعبها على يد سرجون ملك الآشوريين وعين عليها والي من قبله ،أما مملكة يهوذا فقد اعتراها الضعف حيث زحف إليها فرعون مصر سنة 608 ق.م واحتلها ثم زحف واحتل إسرائيل من الآشوريين فثار ملك بابل (بختنصر) فزحف لفلسطين بقسميها وهزم الفرعون واستعاد المملكتين ودمر المسجد الأقصى (587 ق.م) وسبى بني إسرائيل لبابل وسميت هذه المدة (السبي البابلي) قال تعالى :" وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين و لتعلن علواً كبيراً . فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولاً ".

عاش اليهود بعدها في العراق وعبدوا الأوثان ودونوا التوراة بعد ما لا يقل عن 700 سنة من ظهور موسى عليه السلام ، ولاحت الفرصة لهم للعودة لفلسطين عندما أسقط الإمبراطور الفارسي قورش الإخميني بابل الكلدانية 539 ق.م بمساعدة يهودية ودخلت فلسطين تحت السيطرة الفارسية وسمح قورش لليهود بالعودة لها ، وسماهم باليهود ودينهم اليهودية وكل من يعتنق اليهودية ولو لم يكن من بني إسرائيل يهودي .

وبدأ العائدون بإعادة تعمير المدينة المقدسة وبناء الهيكل (515 ق.م) ، وفي القدس تمتع اليهود بالاستقلال الذاتي تحت الهيمنة الفارسية أي أنهم شعب بلا دولة ،لأن الحكم على فلسطين للفارسيين.

وفي 332 ق.م احتل الإسكندر المقدوني فلسطين وترك اليهود دون أن يمسهم ، فدخلت فلسطين في عصر السيطرة الهللينية الإغريقية .

ثم جاء عصر البطالمة نسبة لبطليموس و خلفائه واستمر في فلسطين من 302 حتى 198 ق.م .

وجاء السلوقيين الذين سيطروا على فلسطين واستمروا فيها حتى نهاية عصر الهللينية الإغريقية سنة 63 ق.م .

وفي 40 ق.م هاجم الفرس فلسطين وفي 37 ق.م انتصر الرومان بقيادة هيردوس على الفرس، وقام بتجديد الهيكل فضاعف مساحته ورفع سطحه وجعله على جانب عظيم من الإتقان والهندسة بعد هرمه(20-18ق.م)، واستمر حتى 4 ق.م وعاصره زكريا ويحيى وابن خالته عيسى بن مريم عليهم السلام .

 

 

زكريا و يحيى

كان زكريا يعمل نجاراً وتولى كفالة مريم بنت عمران ورزقه الله –بعد أن بلغ الكبر وامرأته عاقر- يحيى واشتهر باسم(يوحنا المعمدان)، نسبة لأنه كان يعمد الناس (يغسلهم بالماء) لتطهيرهم من الخطايا، وكان يبشر بقدوم المسيح عليه السلام.

وقد دفع يحيى حياته ثمناً لموقفه الصلب من رغبة هيردوس بالزواج من ابنة أخيه وقيل ابنة أخته وكانت بارعة الجمال،فتزينت ورقصت أمامه وطلب منها أن تتمنى فتمنت رأس يحيى فقدمه لها على طبق وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً.

وقتل هيردوس زكريا ونشره بالمنشار لأنه دافع عن ابنه وعارض الزواج لمانع القرابة.

 

 

وُلدت مريم قبل يحيى عليه السلام، ونذرتها أمها لخدمة بيت المقدس وكفلها زكريا(حيث كان الرئيس على الهيكل وكان المسجد الأقصى قائماً) ،وقدر الله معجزته بأن تلد مريم ابنها المسيح بدون أب بكلمة منه "كن".

 

 

 

عيسى

وُلد عيسى حوالي 4 ق.م في بيت لحم ،وهربت به أمه لمصر خوفاً على ابنها من ظلم هيردوس، ثم عادوا لمدينة الناصرة وعاش فيها طفولته وشبابه فعرف باسم (يسوع الناصري)، وسمي أتباعه بالنصارى.

وفي الأرض المباركة قام عيسى بالدعوة واتخذ الأقصى منبراً له، وبشر بني إسرائيل  بخاتم الأنبياء محمد، وحذرهم من أنهم سيحرمون من المعبد إذا لم يرعوه حق رعايته بسبب إجرامهم في الربا وغيره، ولكنهم لم يأبهوا له وأخبرهم أنه سيهدم فزاد إجرامهم بقتل يحيى وزكريا وهموا بقتل عيسى وصلبه ولكن الله أدركه برعايته فرفعه إليه "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم … بل رفعه الله إليه ".

وطويت هذه الصفحة من تاريخ الصراع بين الحق والباطل على الأرض المقدسة بتكذيب بني إسرائيل لآخر نبي لهم .

وآمن بعيسى الحواريون ونشروا دعوته ولاقوا الأذى وكانوا يخطبون في الهيكل، و آمن بالمسيحية الإمبراطور قسطنطين سنة  325 م، فاهتم بالقدس وبنى كنيسة الضريح المقدس ،وبنى فوق جبل الزيتون كنيسة الصعود ، وأقام كنيسة الميلاد في بيت لحم، وبنت أمه كنيسة القيامة، ودخل أهل فلسطين في النصرانية إلى أن جاء الفتح الإسلامي لها.

وعودة لأحوال فلسطين بعد صعود عيسى عليه السلام ،فقد حكم الرومان فلسطين منذ 6م، وثار عليهم اليهود سنة 66م، واستطاع القائد الروماني طيطس إخماد الثورة سنة 70 م، فدخل القدس وأعمل القتل والحرق ودمر الهيكل حتى لم يبق حجر على حجر  وأصبحت مدينة القدس قاعا صفصفا وهذا ما حذر منه عيسى من قبل بوحي من ربه وبذلك تحقق التدمير الثاني للمعبد بعد التدمير الأول في عهد بختنصر "الإسراء 7"، وبنى طيطس قوسا في روما بمناسبة نصره على اليهود وهو لا يزال قائما للآن وعليه نقوش ذكرى الانتصار ويرى فيه الشمعدان ذو الرؤوس السبعة المشهور عند اليهود والذي أخذه من الهيكل .

وثار اليهود على الرومان واستمرت ثورتهم ثلاث سنوات واستطاعوا احتلال القدس ثم استعادها  الرومان، ومنعوا اليهود من دخولها وسمحوا للمسيحيين بذلك على ألا يكونوا من أصل يهودي، ودمروا أورشليم وحرثوا موقعها وبنوا فوقها مدينة جديدة سموها إيلياء وأقاموا مكان الهيكل القديم هيكلا وثنيا دمره النصارى من الأساس في عهد مفسد النصرانية ومدخل عقيدة التثليث فيها قسطنطين، وبقيت الأرض المقدسة دون بناء معبد فيها وخلت من الموحدين إلا قليلا بعد فساد اليهودية والنصرانية حتى عهد النبوة الخاتمة .